السموم الغازية

أول أكسيد الكربون:

الخواص:

 يعتبر غاز أول أكسيد الكربون من الغازات عديمة اللون والطعم والرائحة ولا يتسبب في أي تهيج للأغشية المخاطية حيث إنه متعادل كيميائياً كما إنه أخف نسبياً من الهواء وهو غاز قابل للاشتعال حيث يتحول إلى ثاني أكسيد الكربون، ومخلوطه في حيز مغلق مع الهواء أو الأكسجين بنسب معينة يكون قابلاً للانفجار في وجود لهب أو شرر.

وجوده وتكونه:

يتولد غاز أول أكسيد الكربون من الاحتراق غير الكامل للمواد الكربونية، وعليه فإنه ينبعث من أي لهب أو جهاز اشتعال. وتصدر آلات الاحتراق الداخلي كمحركات السيارات عادماً يحتوي على نسب تتراوح ما بين 3-7% من هذا الغاز، ترتفع بمقدار كبير عند وجود عيوب أو عدم ضبط لهذه الآلات. و يعد غاز أول أكسيد الكربون واحداً من مكونات غاز الاستصباح (غاز الفحم) ومعظم أنواع الوقود الغازي باستثناء الغاز الطبيعي والبوتاجاز. ويحضر الغاز مخبرياً بفعل حمض الكبريتيك على حمض الفورميك.

كيفية التسمم:

غاز أول أكسيد الكربون مسئول عن العديد من الوفيات سنوياً سواءً كانت الوفاة عرضية أو انتحارية، وأكثر هذه الحالات حدوثاً يكون في فصل الشتاء وخاصة في الدول ذات المناخ الشديد البرودة وذلك نتيجة التدفئة بالحرق المكشوف لمواد الوقود السائلة أو الصلبة أو الغازية كالكيروسين والفحم والبوتاجاز في غرف قليلة التهوية أو مواقد معيبة، كما يتسبب غاز أول أكسيد الكربون في وفاة أكثر ضحايا الحرائق وخاصة داخل الأبنية وقبل امتداد النيران إليهم.      

أما عن الانتحار بغاز أول أكسيد الكربون فقد كان الغاز يعد واحداً من السموم المفضلة لهذا الغرض لسهولة الحصول عليه سواءً من عادم السيارات أو غاز الفحم، ولكون التسمم به لا يصاحبه ألم أو تشوه للمنتحر، لذا شاع استخدامه بين النساء وذلك بوضع الرأس داخل أفران تعمل بغاز الفحم وترك الغاز يتسرب بهدوء محدثاً أثره السريع، أو بإدارة محرك السيارة داخل الجراج حيث تحدث الوفاة بهدوء أيضاً. ولا يستخدم الغاز فيما يعرف باسم التهديد بالانتحار إذ أن الغاز سرعان ما يسبب حالة فقدان للقدرة على الحركة والنطق سابقة على حالة غيبوبة الوفاة بحيث لا تسمح بالعدول عن نية الانتحار لدى المنتحر إذا رغب في ذلك.                                                                   

والتسمم بغاز أول أكسيد الكربون هو أحد العوامل المسئولة عن الأعراض التي تظهر على قائدي السيارات لمدد طويلة وخاصة في فصل الشتاء عند غلق نوافذ السيارة وهي أعراض تتراوح بين ظهور علامات الإجهاد وعدم القدرة على التركيز والصداع مما ينجم عنه وقوع حوادث السيارات فتسرب هذا الغاز من الوصلات غير المحكمة أو خلال الثقوب بأنبوبة العادم إلى داخل السيارة يؤدي إلى حدوث التسمم بهذا الغاز. كما يوجد غاز أول أكسيد الكربون أيضاً كأحد المكونات الرئيسية لدخان السجائر والتبغ. 

التأثيرات السامة:

تنشأ التأثيرات السامة لغاز أول أكسيد الكربون كنتيجة لحرمان خلايا الجسم من الأكسجين، فغاز أول أكسيد الكربون يتحد عند استنشاقه بهيموجلوبين الدم مكوناً مادة الكاربوكسي هيموجلوبين، وحيث إن كلاً من غازي أول أكسيد الكربون والأكسجين يتحدان بنفس المجموعة الكيميائية على جزيء الهيموجلوبين، فإن الكاربوكسي هيموجلوبين المتكون يكون عاجزاً عن حمل الأكسجين. وإذا علم أن قابلية الهيموجلوبين للاتحاد بغاز أول أكسيد الكربون أعلى ب200 – 240 مرة عنه بالأكسجين، فإن جزءاً واحداً من غاز أول أكسيد الكربون في 1500 جزء من الهواء ينشأ عنه عند الإتزان تحول 50% من هيموجلوبين الدم إلى كاربوكسي هيموجلوبين. وعلاوة على ذلك فإن الكاربوكسي هيموجلوبين المتكون يعرقل بشكل مؤثر تحرر الأكسجين من جزيء الهيموجلوبين، وهذا يؤدي إلى تقليل كمية الأكسجين المتاحة أكثر فأكثر، كما يفسر ظهور حرمان الخلايا من الأكسجين في حالات التسمم بهذا الغاز برغم وجود تراكيز عالية نسبياً من الهيموجلوبين بالدم أعلى مما يلاحظ في حالات فقر الدم (الأنيميا). ويعتمد مدى تشبع الهيموجلوبين بأول أكسيد الكربون على تركيز الغاز في الهواء المستنشق كما يعتمد على وقت التعرض، وتعتمد أعراض عوز الأكسجين بالإضافة إلى ما سبق على نوعية النشاط الذي يبذله الفرد وعلى حاجة أنسجته للأكسجين وأيضاً على تركيز الهيموجلوبين بالدم.

الأعراض وعلامات التسمم:

تتناسب أعراض وعلامات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون مع ثلاثة عوامل: تركيز الغاز في الهواء المستنشق ومدة التعرض للغاز والمجهود العضلي المبذول، حيث تؤدي هذه العوامل الثلاثة إلى تغير نسب الكاربوكسي هيموجلوبين الدم وبالتالي ظهور أعراض عوز الأكسجين على أنسجة وخلايا الجسم وخاصة الدماغ.

وعليه فعند تركيز قدره 01,% من أول أكسيد الكربون في الهواء، لا توجد عادة أي أعراض حيث إن هذا التركيز لا يرفع من نسبة الكاربوكسي هيموجلوبين بالدم أكثر من        10%. أما عند التعرض لتركيز قدره 05,% لمدة ساعة واحدة في وجود نشاط عضلي معتدل، فإن هذا يحدث تركيزاً للكاربوكسي هيموجلوبين بالدم قدره 20%، وتكون الأعراض عندئذ عبارة عن الإحساس بصداع نابض متوسط الشدة. فإذا زاد النشاط العضلي أو زادت مدة التعرض لنفس تركيز الغاز السابق في الهواء المستنشق ترتفع معه بالتالي نسبة غاز أول أكسيد الكربون بالدم لتصل إلى ما بين 30-50%، وعند هذا الحد يشتد الشعور بالصداع المصحوب بالقلق والارتباك والإحساس بالدوار والخلل البصري مع شعور بالغثيان والقيء ويحدث إغماء عند بذل أي مجهود عضلي. وبوصول تركيز غاز أول أكسيد الكربون إلى 1, % في الهواء المستنشق، فإن الدم عندئذ سيحتوي على 50 – 80% من الكاربوكسي هيموجلوبين مما يؤدي إلى حدوث الغيبوبة والاختلاجات والفشل التنفسي ومن ثم الوفاة.

أما إذا استنشق الشخص تركيزاً عالياً من غاز أول أكسيد الكربون منذ البداية فإن حالة فقدان الشعور والغيبوبة تتم بسرعة دون أي أعراض تمهيدية منذرة. وعند حدوث تسمم متدرج فإن الشخص المسمم بغاز أول أكسيد الكربون يمكنه أن يلحظ فقدان قدرته على بذل أي مجهود مع صعوبة التنفس عند الحركة ثم عند الراحة أيضاً مع إفراز عرق كثير وإحساس بالحمى. ومن العلامات المصاحبة للتسمم بغاز أول أكسيد الكربون حدوث تضخم بالكبد ومظاهر جلدية وازدياد في عدد كريات الدم البيضاء ونزيف، كما يظهر الجلوكوز والألبومين في البول أحياناً.

ومن أخطر أعراض التسمم بهذا الغاز حدوث أديما دماغية وازدياد الضغط الدماغي نتيجة ازدياد نفاذية الشعيرات الدموية الدماغية التي تعاني من النقص الحاد في الأكسجين وتنعكس معاناة عضلة القلب من نقص الأكسجين الواصل إليها على شكل تغيرات في تخطيط كهربية القلب.

أما أهم الأعراض المميزة للتسمم بغاز أول أكسيد الكربون فهي تلون الجلد والأغشية المخاطية بلون الكرز الأحمر نتيجة للون الكاربوكسي هيموجلوبين الأحمر البراق. ويمكن تفريق هذا اللون عن لون الأوكسي هيموجلوبين بإضافة 5 ملليمترات من محلول هيدروكسيد الصوديوم بنسبة 40% إلى محلول مخفف بنسبة 5% من الدم، فبينما يتحول محلول الأوكسي هيموجلوبين إلى اللون البني يظل لون الكاربوكسي هيموجلوبين أحمراً، أما الكشف حديثاً على التسمم بغاز أول أكسيد الكربون فيعتمد على الكشف على نسبة الكاربوكسي هيموجلوبين بالدم عن طريق جهاز CO-Oximeter.

معالجة التسمم:

تعتمد معالجة التسمم بغاز أول أكسيد الكربون على تقديم التنفس الاصطناعي الفعال في وجود أكسجين تحت ضغط عالي وفي غياب أي أثر لغاز  أول أكسيد الكربون. ويستخدم لذلك الأكسجين النقي حيث يتيح ذلك إحلاله محل غاز  أول أكسيد الكربون ولتخفيف ولو جزئياً من آثار نقص الأكسجين على الأنسجة بذوبان الأكسجين في بلازما الدم، ولهذا الغرض يستخدم الأكسجين المضغوط بضغط فوق جوي في حالات التسمم الخطيرة بهذا الغاز. وقد يكون لنقل الدم أو نقل كريات الدم الحمراء المركزة أثر فعال كخط علاجي في هذا المضمار.  

ولتقليل احتياج الأنسجة للأكسجين فإن المريض يجب أن يبقى في حالة سكون تام، وقد نلجأ إلى تبريد الجسم للمساهمة في تقليل الاحتياج إلى الأكسجين. وبتقدم العلاج فإن أعراض التسمم تبدأ في الزوال تدريجياً، إلا أنه في حالة حدوث نقص مستمر وشديد في وصول الأكسجين للأنسجة قد تظهر أعراض عصبية كالرعشة والخلل العقلي والسلوك الذهني وقد تظهر تغيرات مجهرية لنقص الأكسجين على كل من أنسجة قشرة الدماغ وعضلة القلب وأعضاء أخرى.